كتب الصحفي محمد شكري يمان أنّ الدبلوماسية الغربية تكشف انهيارًا أخلاقيًا صارخًا في تعاملها مع المأساة الإنسانية في غزة، حيث تنشغل بالمطالبة بالإفراج عن الرهائن الإسرائيليين بينما تتجاهل معاناة الفلسطينيين وحقوقهم الأساسية. وأكد أنّ هذا الخطاب لم يعد أداة سلام، بل غطاء لتبرير القتل الجماعي والدمار.

ذكرت ديلي صباح أنّ السردية الغربية تبدأ دائمًا بالإصرار على إطلاق سراح جميع الرهائن، يليها احتمال وقف إطلاق نار، وربما لاحقًا أفق سياسي لحل الدولتين. لكن هذا التسلسل، بحسب الكاتب، ليس خريطة طريق نحو السلام، بل صيغة تمنح الشرعية لإبادة شعب بأكمله تحت شعارات "الأمن" و"الدفاع عن النفس".

ورأى يامان أنّ حياة الفلسطينيين حُوِّلت إلى مجرد أوراق مساومة، حيث صارت إنسانيتهم مشروطة بإرادة القوى التي تسلّح إسرائيل أو تحميها من المحاسبة. وأوضح أنّ المجازر، والمجاعة المتعمدة، والقصف الذي دمّر المستشفيات والمدارس ومراكز الأمم المتحدة، كلها أُلحقت بعبارات "مؤسفة" في البيانات الدبلوماسية، بينما يظل الرهائن الإسرائيليون محور كل خطاب ومؤتمر صحفي.

وتساءل الكاتب: هل بدأت ذاكرة الدبلوماسيين الغربيين في 7 أكتوبر؟ فالاحتلال لم يبدأ حينها، ولا الحصار، ولا الاعتقالات العشوائية، ولا الاغتيالات، ولا سياسات التطهير العرقي. لكن انتقائية الذاكرة الغربية حوّلت ذلك التاريخ إلى نقطة انطلاق جديدة تتجاهل عقودًا من المعاناة الفلسطينية.

وأشار إلى أنّ الدعوات الغربية لإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين تتناقض مع صمتها عن آلاف الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية. فحسب منظمات حقوقية، يقبع أكثر من 10 آلاف فلسطيني خلف القضبان، بينهم 3600 رهن "الاعتقال الإداري" بلا محاكمة أو تهمة، وبينهم نساء وأطفال وصحفيون وقيادات مجتمعية. كثير منهم تعرض للتعذيب، بعضهم مات في الحجز، وآخرون اختفوا كليًا.

وأضاف أنّ هذه الممارسات تجعل القانون الدولي واتفاقيات جنيف بلا معنى، حتى أنّ اللجنة الدولية للصليب الأحمر نفسها تشتكي من عراقيل متزايدة تحول دون زيارات إنسانية للمعتقلين. ومع ذلك، يواصل المسؤولون الغربيون الحديث فقط عن الرهائن الإسرائيليين، متجاهلين آلاف الفلسطينيين الذين يعانون خلف الأسوار.

ولفت الكاتب إلى أنّ هذه ليست ازدواجية معايير فحسب، بل استراتيجية سياسية مدروسة تهدف إلى تجريد الفلسطيني من إنسانيته، وسلبه حقه في السرد، وتبرير الإبادة بلغة القانون والدفاع المشروع. واستشهد بقرار محكمة العدل الدولية في مايو 2024 بالسعي إلى إصدار مذكرات توقيف بحق مجرمي حرب إسرائيليين إلى جانب قادة من حماس، وكيف قوبل القرار برفض غربي غاضب، رغم أنّ المحكمة نفسها كانت محل إشادة عندما أصدرت قرارات تخص أوكرانيا.

وبيّن أنّ الدبلوماسية لم تعد وسيلة لمنع الكوارث، بل غدت أداة علاقات عامة لتبرير القوة. فلا يمكن لأي طرف أن يدّعي الوساطة بينما يواصل تزويد أحد طرفي النزاع بالأسلحة، أو أن يتحدث عن السلام بينما يتجاهل المقابر الجماعية في غزة، أو أن يكرر شعارات حل الدولتين بينما يشهد على محو مقومات الدولة الفلسطينية.

وشدّد يمان على أنّ السجون الإسرائيلية ليست هامشية في هذا الصراع، بل جزء جوهري من بنية الاحتلال. فهي وسيلة لطمس الهوية الفلسطينية عبر احتجاز الشباب والمفكرين والفنانين والمعلمين، ما يجعل التغاضي عنها نوعًا من الدعاية السياسية لا الحياد.

واختتم الكاتب بأنّ التاريخ سيسجّل خيانة الضمير التي ميّزت مواقف كثير من الدبلوماسيين الغربيين إزاء غزة، تمامًا كما سجّل صمت العالم أمام مذابح رواندا وسربرنيتسا والفصل العنصري في جنوب أفريقيا. وأكد أنّ الحديث عن الرهائن يجب أن يشمل كل الرهائن، والحديث عن السلام يستلزم المطالبة بالعدالة، وأن الصمت اليوم يعني التواطؤ في إبادة شعب.

 

https://www.dailysabah.com/opinion/op-ed/hostages-of-hypocrisy-moral-collapse-of-diplomacy-in-gaza